المرأة العربية… ضحية الصراعات والعادات والسياسات
النساء والفتيات أقل قدرة أو رغبة أو كليهما في إشعال الحروب، كما أنهن غير قادرات على إنهائها، ورغم ذلك يعانين بشكل غير متناسب في أثناء الصراعات، لا سيما في ما يختص بالعنف الجنسي
عندما تضرب الأزمات والصراعات الرعاية الصحية فإن النساء والفتيات في المنطقة العربية على رأس قائمة المتضررين. فحقوق النساء العاملات، حق النساء في العمل، الحقوق الإنجابية الحقيقية لا الملونة بألوان السياسة أو المموهة بأطياف العادات والتقاليد والمعتقدات، المشاركة السياسية، الصوت والأثر والتأثير، هذه وغيرها من عشرات الأسئلة الخاصة بـ”حالة السكان في العالم 2024″ طرحت نفسها في الإطلاق الإقليمي للتقرير السنوي لـ”صندوق الأمم المتحدة للسكان”، بعضها يبقى أسئلة، والبعض الآخر يطرح إجابات من الواقع العربي، حلوه ومره.
بين واقعين
الحلو والمر يشيران إلى أن الدول العربية التي تعطي أولوية للنساء والفتيات في جهودها وخططها الإنمائية أحرزت تقدماً كبيراً في مواجهة الأزمات الكثيرة والتحولات الكبرى التي تضرب العالم. هذا عن الحلو. أما المر فيشير إلى أن التقدم الذي جرى إحرازه في المنطقة بمجال الصحة الإنجابية والجنسية لم يشمل إلى حد كبير المجتمعات الأكثر تهميشاً، وذلك على مدار الـ30 عاماً الماضية.
30 عاماً مرت منذ شهدت القاهرة التزام 179 حكومة بوضع الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية على قائمة أولويات التنمية، وذلك ضمن فعاليات “المؤتمر الدولي للسكان والتنمية” عام 1994. ومنذ ذلك العام تطورت أوضاع النساء والفتيات في العالم، وفي المنطقة العربية، بعضها تطورات إيجابية تحسب للدول، والبعض الآخر سلبي وتراجعات وإخفاقات، ولا يخلو الأمر من جمود أصاب بعض جوانب من حقوق النساء، فبقيت محلك سر.
تقول المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في الدول العربية ليلى بكر إن “مؤشرات مثل متوسط العمر المتوقع ووفيات الأمهات شهدت تحسناً ملحوظاً في عديد من الدول العربية، وإن بقيت هناك تفاوتات كبيرة بين الدول. وبات عدد أكبر من النساء يتمتع بقدر أوفر من الاستقلال وقوة اتخاذ القرار. كما أصبحت خدمات تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل الحديثة أكثر سهولة في الوصول إليها، وهو ما أدى إلى انخفاض حالات الحمل بين المراهقات”.
حمل المراهقات وزواج الأطفال وعدم كفاءة خدمات تنظيم الأسرة وتقديم الرعاية الصحية للأمهات والحوامل وفي الولادات مشكلات تحول دون حصول النساء والفتيات على بديهياتهن الحقوقية في الأوضاع العادية، فماذا عن الأوضاع غير العادية؟
الأوضاع غير العادية كثيرة في المنطقة العربية. التقرير الذي جرى إطلاقه قبل ساعات تحت عنوان “أقدار مغزولة بخيوط الأمل” يشير إلى أن ما يزيد على نصف وفيات الأمهات التي يمكن الوقاية منها تحدث في البلدان التي تعاني الأزمات الإنسانية والنزاعات، إذ يصل عددها إلى نحو 500 حالة يومياً، وإن النساء ذوات الإعاقة أكثر عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما يصل إلى 10 أضعاف مقارنة بالنساء اللاتي ليس لديهن إعاقة.
في الحروب والصراعات والطوارئ، تتأثر النساء والفتيات والأطفال والأشخاص ذوو الإعاقة وكبار السن أكثر من غيرهم. تتفاقم أوجه انعدام المساواة، ويزيد العنف القائم على النوع وحالات التمييز. وحين تتضاءل المساعدات والخدمات المقدمة لهؤلاء بسبب نقص التمويل أو أخطار الصراع أو لوجيستيات أو تعنت الأطراف المتصارعة في وصول الإغاثة والخدمات، يصبح الخطر خطرين والثقل ثقيلين والخطر شبه مؤكد.
المؤكد أن الصراعات والحروب في المنطقة العربية تلقي بظلالها بصورة مكثفة على النساء والفتيات. وعلى رغم أن التقرير الأممي لحالة سكان العالم هذا العام ركز على حقوق النساء والفتيات الصحية والإنجابية والجنسية، وكذلك الحقوق الاقتصادية والسياسية التي تتأثر سلباً بسبب الانتماءات العرقية والإثنية والحالة الاقتصادية والتوجه الجنسي والإعاقة، فإن الصراعات في المنطقة ظلت حاضرة.
غزة… ولادات في العراء
الحاضر يقول إن حرب غزة التي دخلت شهرها التاسع تهدر وبشكل خطر كرامة النساء والفتيات بشكل صارخ، وإن لم يكن مركزاً عليه في الإعلام أو يلقى اهتمام القادة وأصحاب القرار. ما يزيد على مليون امرأة وفتاة جرى تهجيرهن في قطاع غزة. أغلبية المهاجرات لجأن إلى مخيمات ومدارس مكتظة، إذ بلغ متوسط عدد الأشخاص الذين يستخدمون دورة مياه واحدة نحو 85 شخصاً. ولكل 3600 شخص حمام واحد.
ويشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن هذه الأرقام تعني أن محنة النساء والفتيات في غزة أصبحت إنكاراً مروعاً لحاجاتهن الإنسانية وللحفاظ على كرامتهن الإنسانية، ناهيك بأخطار انتشار الأمراض بسبب العدوى. النقص الحاد في الفوط الصحية الخاصة بالدورة الشهرية أدى إلى تفاقم الحياة البائسة المستمرة منذ أشهر التي تعيشها ما يقارب 690 ألف امرأة وفتاة في مرحلة الحيض في غزة.
يتصور البعض أن الحرج الناجم عن نقص نظافة الإناث الشخصية أخف أضرار الحروب، لكنه من أثقلها وأصعبها للنساء والفتيات. الجانب الأكبر من مستلزمات النظافة الشخصية أو فوط الدورة الشهرية وأدوية ومستلزمات الصحة الإنجابية يستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى غزة ضمن شاحنات المساعدات، والوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الحيوية في غزة بات شبه مستحيل مع خروج عديد من المنشآت الصحية من الخدمة، وتوقف الجانب الأكبر في البعض الآخر.
البيانات قليلة والأرقام شحيحة، لكن واقع الحال يشير إلى ولادات تجري على أرضية المستشفيات أو في داخل المخيمات غير المجهزة ومن دون وجود رعاية صحية أو طبيب أو حتى قابلة، وهناك ما يجري بمساعدة تعليمات عبر الهاتف، ناهيك بنحو 300 في المئة زيادة في عدد حالات الإجهاض غير المقصود، وغياب الرعاية الصحية للمواليد الجدد، وللأمهات ما بعد الولادة.
السودان… عنف جنسي
وعلى رغم أن الوضع في السودان لا يختلف كثيراً عن غزة، فإن تسليط الضوء وفق ما تتعرض نحو 220 ألف امرأة سودانية حامل في خضم حرب أهلية ضروس لا يتم بالشكل الكافي. صندوق الأمم المتحدة للسكان أعلن تعطل الجزء الأكبر من الخدمات الصحية في السودان بسبب الحرب، وهو ما يعرض الجميع للخطر، لا سيما النساء الحوامل والمواليد الجدد.
الكارثة الإنسانية في السودان تتصاعد. أطفأت الحرب شمعتها الأولى، ولا بوادر للنهاية تلوح في الأفق. نحو 12 مليون شخص فروا من بيوتهم، مليونان منهم نجحوا في الهرب إلى دول مجاورة، ومنها ما يعاني أصلاً عدم الاستقرار. خطر المجاعة يلوح في الأفق، وتقارير تؤكد تزايد معدلات العنف الجنسي بوصفه سلاحاً للترويع وفرض السيطرة.
يشار إلى أن في الـ19 من يونيو (حزيران) الماضي، احتفى العالم بـ”اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع”. هذا العام أشارت تقديرات أممية إلى أن مستويات العنف الجنسي في الصراعات والحروب بلغت مستويات غير مسبوقة، ليصبح واقعاً يومياً مروعاً للنساء والفتيات. الاغتصاب والاعتداء الجنسي أصبحا أسلحة ذائعة الصيت لترويع الفئات الأضعف في المجتمعات التي تشهد حروباً. وإمعاناً في زياد طين الصراع إلى بلة، فإن النساء والفتيات النازحات داخلياً، واللاجئات والمهاجرات يتعرضن لهذا الخطر بشكل مضاعف.
المفارقة هي أن النساء والفتيات أقل قدرة أو رغبة أو كليهما في إشعال الحروب، كما أنهن غير قادرات على إنهائها، وعلى رغم ذلك يعانين بشكل غير متناسب في أثناء الصراعات، لا سيما في ما يختص بالعنف الجنسي. موضوع اليوم العالمي هذا العام كان الهجمات على الرعاية الصحية في المناطق المتأثرة بالنزاع، والآثار التي تعانيها الناجيات من العنف الجنسي في الحروب.
يشار إلى أن صندوق الأمم المتحدة للسكان يدعم 64 “مساحة آمنة” في السودان مخصصة للناجيات من العنف الجنسي أثناء الحرب. وعلى رغم ذلك، وحتى في الحالات التي تلقى فيها الضحايا دعماً وعلاجاً، تبقى معضلة بقائهن في بيئة الصراع، ومصائرهن بعد نهايته، حال انتهى.
سوريا… انتهى الصراع والانتهاكات مستمرة
نظرياً، انتهى الصراع في سوريا. وعلى رغم ذلك يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن الأزمة في سوريا واحدة من أكثر حالات الطوارئ الإنسانية والحماية تعقيداً في العالم. ففي عام 2024 بلغ عدد من يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية 16.7 مليون شخص، وهو أعلى رقم منذ بداية الأزمة في عام 2011. ويحوي هذا الرقم 8.4 مليون امرأة وفتاة، بينهن نحو 4.1 مليون في سن الإنجاب.
وكأن تجاهل حقوق النساء والفتيات في سوريا باعتبارها من أكبر الخسائر غير المرئية للحرب السورية لم يكن كافياً، إذ بحجم التحديات التي تحول دون وصول الرعاية الصحية الأساسية والبديهية لأنحاء سوريا مذهل.
في الوقت نفسه لا تزال النساء والفتيات عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان التي تشمل القتل غير المشروع والحرمان التعسفي من الحرية والعنف والتمييز القائمين على النوع الاجتماعي، بل والأسوأ من ذلك فقد بات ينظر في الأعوام الأخيرة إلى هذه الانتهاكات على أنها أمر طبيعي.
وكانت المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في الدول العربية ليلى بكر قد أكدت قبل أيام استمرار التزام الصندوق تجاه النساء والفتيات وصحتهن وحقوقهن وكرامتهن في سوريا، وهو ما تمثل في جهود مستمرة لتوفير خدمات الصحة والحماية الجنسية والإنجابية الأساسية لجميع أنحاء سوريا، بما في ذلك في المناطق الريفية والمناطق التي يصعب الوصول إليها.
اليمن… توليفة من المعضلات
وعلى رغم صعوبة الوصول إلى الجميع في اليمن، إذ المناخ والحرب يحكمان قبضتهما على اليمن وأهله، لا سيما نساؤه، فإن جهوداً عربية وأممية تبذل للوصول إلى النساء والفتيات في هذه الظروف بالغة الصعوبة.
ومع تجاوز الصراع الشرس في عامه التاسع، تواجه العائلات اليمنية توليفة من المعضلات، أبرزها النزوح الجماعي والانهيار الاقتصادي، وكذلك انهيار عديد من الخدمات الأساسية وأنظمة الحماية الاجتماعية. وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، تتزوج ثلثا البنات في اليمن قبل سن الـ18 عاماً.
يشار إلى أنه عام 2024، ولد 4.7 مليون مولود في العالم لأمهات لم يبلغن سن الـ18 عاماً، أي نحو 3.5 في المئة من إجمالي مواليد العالم، وتموت يومياً 800 سيدة أثناء الولادة أيضاً، أغلبهن في دول العالم النامي.
تقرير السكان هذا العام يشير إلى أنه على رغم أن عديداً من الإنجازات التي تحققت على صعيد المساواة وحقوق المرأة في الصحة والخدمات الإنجابية والحفاظ على جسدها من تدخلات الآخرين وغيرها، فإن ملايين النساء لا يشعرن بأثر هذه الإنجازات في حياتهن اليومية. وبينهن كثيرات مستمرات في النضال من أجل نيل أبسط الحقوق.
أممية الحقوق
تشير بيانات الصندوق إلى أن ربع النساء في 69 دولة لا تزلن غير قادرات على اتخاذ القرارات الجوهرية الخاصة بحياتهن والمتعلقة بالرعاية الصحية التي يتلقينها. النسبة نفسها قالت إنها لا تستطيع رفض ممارسة العلاقة الحميمة مع الزوج أو الشريك. وامرأة بين كل 10 نساء غير قادرة على الوصول لخدمات تنظيم الأسرة.
المصدر : عربية Independent