الجزء الثاني من حكومة دياب
لم يكد اللبنانيون يصدّقون كيف تمّ التخلص من حكومة حسّان دياب ومن سياسة النق وإلقاء اللوم على الآخرين، وتحميلهم مسؤولية ما آلت إليه أوضاع لبنان من تردٍّ على كل الأصعدة، حتى أتى من يذكرّنا بأننا عالقون في عنق زجاجة طويل، وأن كل ما يدور حاليًا حول طريقة “التخريجة” لحكومة أديب إعتقدنا أنها ستكون هذه المرّة غير سابقاتها، أقلّه أن فيها نكهة فرنسية، اي أن ثمة نيّة بإحراز تقدّم في مجال الإصلاحات السياسية والمالية والإدارية كمقدمة لا بدّ منها لتدّفق المساعدات الدولية إلى لبنان، خصوصًا بعد كارثة المرفأ وما نتج عنها من دمار وخراب في أكثر من قطاع. كان من المفترض لولا العقدة الشيعية وحقيبة المال أن تبصر حكومة مصطفى أديب النور منذ ما قبل أسبوعين، ولكن هذه العقدة وما خلفها من مستلزمات التعقيد، يقول البعض أنها تصّب في مصلحة طهران، التي تنتظر نتائج الإنتخابات الأميركية لتعيد تموضعها في المنطقة، خصوصًا أن ثمة كلامًا كبيرًا يدور في الكواليس بأن إيران غير مستعدة لتقديم أي تنازل في الإقليم ولا حتى في لبنان، بإعتبار أن “حزب الله”، الذي سجل مكاسب إقليمية لم تتسنَ له الفرصة بعد لتقريش هذه المكتسبات على الساحة اللبنانية، مع العلم أن محور الممانعة اللبنانية هو الذي يملك حتى لساعة الأكثرية النيابية، وهو الذي سيمنح الثقة للحكومة أو يحجبها عنها. في المقابل، وخلافًا لهذه النظرية ثمة معطيات تفيد بأن طهران أوعزت للثنائي الشيعي بضرورة تسهيل تشكيل الحكومة والتجاوب مع المساعي المبذولة لحلحة العقد من دون أن يأخذ البعض على هذا الثنائي أن تنازله يعني القفز من فوق جدار المبادىء العامة، التي تسيّر عمل “حزب الله” داخليًا. من هنا أتى إجتماع الرئيس المكّلف بمعاوني الرئيس بري والسيد نصرالله، والذي قيل وفق مصادر إعلامية في “حزب الله” وحركة “امل” أنه كان جيدًا، من دون الدخول في التفاصيل، وقد تُرك للبحث صلة، فيما فسرّت بعض الأوساط هذا الأمر بأن الإجتماع لم يكن حاسمًا بالنسبة إلى الأسماء العشرة التي سُلمت إلى أديب ليختار من بينها من يمكنه أن يكون أكثر إنسجامًا مع حكومة الكفاءات. ووفق بعض المصادر أنه لو تمّ التوصل إلى تفاهم على الأسماء لكان حمل الرئيس المكّلف إلى القصر الجمهوري الصيغة الأولية للتشكيلة الحكومية لعرض الأسماء مع رئيس الجمهورية، الذي تقول أوساطه أنه على رغم حرصه على أن يكون التأليف سريعًا لن يبصم على بياض ما لم تكن له كلمة الفصل في ما يتعلق بالأسماء المسيحية، وهو ما ألمح إليه البيان الرئاسي بالأمس، الأمر الذي يوحي بأن العودة إلى صيغة حكومة دياب لا تزال هي المسيطرة، بحيث أن الأفرقاء السياسيون هم من سيسمون وزراءهم، وهذا ما لا ينسجم مع المبادىء التي وضعها لنفسه الرئيس أديب منذ اليوم الأول لتكليفه تشكيل الحكومة، وهذا يعني أيضًا أن محاسبة الحكومة من قبل مجلس النواب ستكون غائبة، إذ يستحيل أن تحاسب الكتل النيابية نفسها بنفسها، وهي التي سمّت وزراء الحكومة. فأي حكومة لا كون فيها المعيار الكفاءة والنزاهة والأهلية سيكون مآلها السقوط.