معركة ترسيم الحدود في ظل قطار التطبيع
كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار” تحت عنوان ” ترسيم الحدود الجنوبية: المعركة ستبدأ الآن”: “بداية آب الماضي، أعلَن رئيس مجلس النواب نبيه برّي في حديث إلى صحيفة «النهار» أن «المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود الجنوبية أصبحت في خواتيمها». كلامٌ فسرّه كثيرون في غير محلّه، معتبرين أن الكلام الصادِر عن بري يعني اتفاقاً على ترسيم الحدود. ففي الواقع، الإتفاق الذي حصلَ هو على الإطار الذي ستتّم وفقه عملية التفاوض. وهو الإطار الذي وضعه لبنان كشرط للقبول بالمفاوضات، وأهمها رفض فصل الحدود البرية عن الحدود البحرية، ورفض التفاوض المباشر مع العدو الإسرائيلي، بخلاف ما كانت تريده واشنطن وتل أبيب وسوّقتا له في وسائل الإعلام. فالاتفاق الذي أنجِز بين لبنان والولايات المتحدة، ولا يزال بحاجة إلى موافقة إسرائيلية قبل إعلانه، ينص على أن تكون المفاوضات، بحسب مصادر مطلعة، «امتداداً للجنة تفاهم نيسان 1996، وللاجتماعات الثلاثية المتعلقة بالخروق البرية، والتي تجتمع دورياً في الناقورة (الجيش اللبناني واليونيفيل وجيش العدو). اجتماعات التفاوض ستتم في مكتب لقوات اليونيفيل في الناقورة، وبرعاية الأمم المتحدة، وبحضور مندوب أميركي كـ«وسيط ومسهّل». الفريقان، اللبناني والإسرائيلي، سيجلسان في غرفة واحدة في مقرّ الأمم المتحدة، وبينهما ممثل الأمن العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش وقائد قوة اليونيفيل من جهة، والمندوب الأميركي من الجهة الاخرى. لا يتبادل ضباط الجيش اللبناني أي حديث مباشر مع ضباط العدو، بل يتوجه كل منهم بالكلام الى الفريق الأممي، ويتلقى الرد من خلاله. وسيكون الى جانب كل فريق في التفاوض مجموعة من الخبراء». الاتفاق نفسه، تقريباً، سبق أن توصل إليه لبنان مع الولايات المتحدة قبل أربع سنوات، وتحديداً، في نهاية عهد باراك أوباما، وقبيل الانتخابات التي اوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. لكن، حينها، لم يوضع الاتفاق موضع التنفيذ، لأسباب أميركية وإسرائيلية، بحسب المصادر اللبنانية المتابعة لتفاصيل المفاوضات. الصراع مع العدو الإسرائيلي قائم على الجزء الجنوبي من المنطقة البحرية الاقتصادية اللبنانية، وتبلغ مساحته نحو 860 كيلومتراً مربعاً في البحر (نتيجة الأطماع الاسرائيلية، كما نتيجة خطأ ارتكبه لبنان في ترسيم الحدود البحرية مع قبرص)، إضافة إلى 13 نقطة «تحفّظ» على طول الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. وعلى مدى سنوات، طالب العدو، مدعوماً من واشنطن، بفصل ترسيم الحدود بين البر والبحر. كان يطالب بترسيم الحدود البحرية، ثم الانتقال إلى الحدود البرية. واحياناً، طالب الأميركيون بترسيم الحدود البرية حصراً، دون البحرية. أما لبنان، فكان يتعامل مع الحدود البحرية بصفتها استمرارا للحدود البرية، وأن أي تعديل في البر سيؤدي الى تغيير كبير في البحر. تشرح المصادر الأمر بمَثَل عن «النقطة الحدودية المعروفة بـb1، الواقعة على الشاطئ، عند رأس الناقورة جنوباً. حاول العدو إجراء تعديلات عليها عبر دفع الحدود لنحو خمسين متراً شمالاً، بذرائع أمنية، وبإغراء منح لبنان مساحة أكبر في منطقة أخرى «متنازَع عليها». رفض لبنان الأمر لسببين: الأول هو عدم التفريط بمساحة لا نزاع عليها، والثاني هو ان التعديل ولو لمتر واحد شمالاً، يعني حتماً خسارة لبنان عشرات الكيلومترات المربعة في البحر». ترامب يضغط وحركة مكوكية لشينكر بين لبنان و”إسرائيل”.. أيام مفصلية قبل ترسيم الحدود اللوبي الإسرائيلي يعارض دعم لبنان بعد الانفجار… ملف ترسيم الحدود البحرية مجدداً مقترحات سابقة سقطت سنوات مضَت على الحديث عن هذا الملف، رفض خلالها لبنان أفكاراً وخططاً أميركية للترسيم البحري منذ عام 2008، تصب كلها في المصلحة الإسرائيلية. ومنذ العام 2011، تسلّم بري التفاوض مع الجانب الأميركي. كانَ ذلكِ قبل إعادة إحيائه وتسليمه إلى مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى دافيد ساتيرفيلد، بعدَ فشل وسيطين أميركيين، هما فريديريك هوف وآموس هوكشتاين، في فرض شروط إدارتهما على لبنان. عام 2012، اقترح هوف خطاً للحدود البرية، يمنح لبنان نحو 500 كلم مربع، والباقي للعدو. لكن لبنان رفض هذا الخط، على قاعدة أن أي قاعدة للترسيم ستمنحه أكثر من ذلك. وبعد هوف، اقترح هوكشتاين فكرة إبقاء «المنطقة المتنازع عليها على ما هي عليه حالياً، وتكليف شركة مختصة باستخراج النفط والغاز العمل فيها، على ان توضع الأرباح في صندوق لتُقسّم لاحقاً باتفاق بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية». هذا الاقتراح الذي أعيد إحياؤه عام 2017، وأيده وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون الآتي من شركة نفطية عملاقة، رفضَه لبنان أيضاً، لسببين: الاول مبدئي، متصل برفض أي تعاون مع العدو. والثاني، تقني يرتبط باستحالة تقسيم الأرباح بهذه الصورة، قبل ترسيم الحدود. قال بري لتيلرسون: «هذا الاقتراح ينفع بين دولتين صديقتين. اما نحن وإسرائيل فعدوّان. وإذا كنا سنرسّم الحدود بعد استخراج الغاز، فلنرسّمها قبله، فنأخذ حقنا بلا زيادة ولا نقصان”.