سلع مُخزّنة في المستودعات ومفقودة في الأسواق
منذ عام يطلق مصرف لبنان تحذيراته من اقتراب موعد توقفه القسري عن مواصلة دعم استيراد السلع الاساسية (القمح، الادوية، والمحروقات)، وسبق له ان قال انه لن يستطيع الاستمرار بالدعم بعد نهاية العام 2020، ومن ثم مددت المهلة الى شباط 2021، ليعود حاكم البنك المركزي ويصرّح أمس انّ «الدولارات التي يؤمّنها المصرف المركزي لاستيراد القمح والوقود والأدوية، ستستمر ما بين 5 أشهر و6».
وقال سلامة، في مقابلة مع «يوروموني» البريطانية، إنّه لن يكون قادراً على الاستمرار لفترة أطول من ذلك، و»أمله الوحيد هو في حصول خرق سياسيّ، يؤدّي إلى دعم لبنان مالياً، وإلى الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي».
هذا التصريح قد يعطي مهلة اضافية او حجّة جديدة للحكومة لعدم البت سريعاً في قرار رفع الدعم او ترشيده بأيّ شكل كان أو وفقاً لأيّ من السيناريوهات الاربعة المتداولة، نظراً لأنّ كل الجهات المعنيّة تتهرّب من اتخاذ هذا القرار غير الشعبي، وتتملّص من تحمّل مسؤولياته على الرغم من انه ضروري وملحّ ومطلب رئيس لأي خطة إصلاحية او برنامج إنقاذ يمكن ان يخوّل لبنان الحصول على الدعم المالي الخارجي.
مع كلّ حديث أو اجتماع او بحث حول إمكانية رفع الدعم عن السلع الاساسية المستوردة، تسود الاسواق والمستهلكين والتجار والمستوردين حال من الهلع تُترجم بعمليات تخزين وتهريب مكثّفة ومضاعفة تؤدّي في النتيجة الى انقطاعٍ في السلع الغذائية المدعومة او الاستهلاكية، وأبرزها حالياً الادوية وحليب الاطفال. وعلى رغم مداهمة مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد منذ اسبوعين عدداً من مستودعات شركات استيراد حليب الأطفال وتسطير محاضر ضبط «احتكار» في حقها لعدم تسليمها الكميات المتوفرة من الحليب الى الصيدليات، ما يزال حليب الاطفال غير متوفر بالكميات المطلوبة، علماً انه إذا وجد، يكون سعره أعلى بـ3 أضعاف ممّا كان عليه قبل فقدانه من السوق.
هذا الوضع دفعَ وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمه أمس الى القيام بمداهمات لمستودعات للأغذية ولحليب الأطفال في الضاحية الجنوبية وشويفات وعرمون بمؤازرة قوى الأمن الداخلي. وخلال مداهمة مستودع في عرمون، أكّد نعمه أنّ هناك احتكاراً للمواد وأنّ المحل يمتلك ستوكات أكثر من اللازم بالنسبة الى حجم المحل والمنطقة. وأشار إلى أنّه على القضاء أن يتخذ الاجراءات اللازمة. ونفى نعمه كلّ ما يتداول عن رفع الدعم قائلاً: «لا رفع للدعم وكل ما يُقال في هذا السياق غير صحيح، وما سيحصل هو ترشيد الدعم».
في هذا الاطار، شدّد نقيب مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي لـ»الجمهورية» على انّ اتهام التجار او المستوردين بالاحتكار لا يجب ان يستند فقط الى حقيقة وجود كميات من السلع في المستودعات، لأنّ أي مستودع تابع لتاجر او مستورِد من الطبيعي ان يحوي على البضائع، وبالتالي: «لا يجوز تعميم مبدأ او فكرة الاحتكار على كافة التجار او المستوردين لأنّ تاجراً أقدمَ بشكل غير أخلاقي او انساني على تخزين السلع المدعومة لبيعها لاحقاً، او على الغش من خلال تفريغ السلع المدعومة من عبواتها وإعادة بيعها بأسعار غير مدعومة كما حصل، وهو أمر مُدان ومستنكر بشدّة ويستوجب فرض أقصى العقوبات».
وأوضح البحصلي انّ ما حصل في قضية ضبط مستودع يحوي على حليب الاطفال المخزّن كان بمثابة تَجنٍّ على المستورد الذي لم يهدف الى التخزين والاحتكار، بل انّ التأخير الحاصل في إنجاز الملفات في مصرف لبنان دفعه للترَيّث قبل توزيع هذا الحليب في السوق نتيجة عدم استيفاء قيمة فواتيره المدعومة وعدم وجود ضمانة لاستيفائها لاحقاً، ما وضعَهُ أمام خيار إمّا الانتظار او التصرّف على غرار ما يحصل مع مستوردي المستلزمات الطبية الذين يقومون بتسليم البضائع وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء في حال عدم حصولهم بعد على موافقة الاستيراد المدعوم من قبل مصرف لبنان.
وحول تصريح حاكم مصرف لبنان بالنسبة الى مواصلة الدعم لـ5 أشهر الى 6، أكد البحصلي انّ مصرف لبنان مستمرّ في قبول طلبات الاستيراد، إلّا انّ هناك تأخيراً يحصل في إنجاز تلك الملفات ما يؤخّر وجود السلع في الاسواق، متسائلاً عما اذا كانت المهلة الجديدة للدعم تعتمد على إبقاء حجم الدعم الشهري على حاله ام ترشيده من أجل التمكن في اطالة أمده 5 أشهر الى 6؟
وعن ارتفاع أسعار السلع الغذائية في السوق رغم استقرار سعر الصرف في السوق السوداء، شرح انّ المستهلك ربما لاحظ ارتفاعاً امس في اسعار بعض السلع لأنّ السوبرماركت كانت مقفلة منذ حوالى الشهر حين كان سعر صرف الليرة مقابل الدولار عند عتبة الـ8000 ليرة، أمّا اليوم فقد بلغ سعر الصرف عتبة الـ 9000 ليرة، ما أدّى الى زيادة بنسبة 5 الى 7 في المئة في اسعار بعض السلع، في حين ان بعضها، مثل الزيت النباتي، ارتفع سعره عالمياً أكثر من 40 في المئة، وكذلك الأمر بالنسبة الى القمح ما أدّى الى ارتفاع سعر ربطة الخبز. وأكد انّ أي صاحب سوبرماركت لم يعد يملك اليوم رفاهية التلاعب بالاسعار نتيجة زيادة حدّة المنافسة، في مقابل إدراكه بعدم قدرة المواطن على تحمّل المزيد من الاعباء المالية.
وفي الختام، قال بحصلي: «سنستمر في مواجهة مختلف انواع واشكال الغش والاحتيال طالما انّ آلية الدعم المعتمدة غير سليمة ودونها شوائب عدّة لا يمكن ضبطها»، مشدداً على انّ «الحّل هو من خلال دعم الأسَر بشكل مباشر وليس عبر دعم السلع».
من جهته، أوضح رئيس نقابة اصحاب السوبرماركت نبيل فهد لـ»الجمهورية» انّ الاحتكار والتخزين يتمان من قبل مجموعات وأفراد وليس من قبل كبار التجار او المستوردين، والدليل انّ المستودعات التي يتم ضبط سلع مدعومة مخزّنة في داخلها لا تحوي كميات كبيرة تدلّ على وجود عملية احتكار من قبل التجار، بل إنها كميات يقوم بتجميعها بعض الافراد من مختلف السوبرماركت او نقاط البيع بهدف الاحتيال وتحقيق الارباح، مؤكداً انّ السلع المدعومة متوفرة في السوبرماركت وليس هناك من نقص او انقطاع في أي سلعة، «قد يكون هناك بعض أصناف السلع غير المتوفرة إلّا انّ هناك بدائل عنها».
وكشف فهد انّ السكر المدعوم غير متوفر حالياً في السوق بسبب تأخّر وصول الباخرة نتيجة الاقفال العام وليس نتيجة التخزين او التأخير.
رنى سعرتي – الاخبار